الخميس، يوليو 19، 2007 على الساعة 14:50

قرأت باهتمام شديد "حديث الأحد" في صحيفة الشروق اليومية. كان ضيف الركن هو السيد معن بشور الذي قدمته الصحفية على أنه :" الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي والمنسق العام للتجمع والروابط الشعبية اللبنانية والكاتب العربي اللبناني المعروف." لا أعرف السيد بشور وليس لدي اهتمام خاص بما يصير على الساحة السياسية اللبنانية. لكن ما شد اهتمامي في كلامه (وما اختارته الشروق كعنوان لهذا الحديث) هو تصنيفه للمثقفين العرب إلى ثلاثة أصناف : صنف باع نفسه للشيطان وصنف مقاوم وثالث «بين بين». جميل جدا أن نعتمد نظرة بوشية إلى العالم : "من ليس معي فهو ضدي ومن هو ضدي فهو عدوي وإن كان ابن وطني." يحسب للسيد بشور أنه أضاف صنفا ثالثا من المثقفين وهم ال«بين بين». يعني أنه ذهب أبعد قليلا من السيد بوش وافترض أنه يمكن أن يكون هناك أناس ليسوا في هذا الصف ولا ذاك ، لكنهم محتارون بين الإثنين : صف المقاومة أم صف المؤامرة الصهيوأميريكية . من نافلة القول أن هذا التصنيف اعتباطي ولا يعبر إلا عن رأي صاحبه. إنها نظرة ثنائية إلى العالم تقسمه إلى أشرار وإلى أخيار بالضبط كما يراه وينظّر له الشيخ المجاهد المتخفي في جبال باكستان. لكن أن تجعل صحيفة وطنية مثل هذه العناوين في صدر صفحاتها الأولى فذلك ما يدعو للقلق والتعجب إذ أن ذلك ينشر ذلك في أحد أكثر صحفنا الوطنية انتشارا : الشروق وما أدراك ما الشروق. وهذا الحديث المطول ليس موجها للتلاميذ والعاطلين عن العمل والعمال الكادحين الذين يشترون الشروق لمتابعة فرقهم الرياضية المفضلة بقدر ما هو موجه إلى "المثقف" التونسي والذي من البديهي أنه يهتم بقضايا الأمة العربية.

الجمهور التونسي الذي يقرأ الشروق مهووس بالشياطين ، وذلك منذ الملف الخطير حول عبدة الشياطين في تونس الذي صدر في إحدى اليوميات الأخرى. من أجل ذلك فإن الشروق تتحفنا هي الأخرى بمقال يتهم جزء ا من مثقفي البلدان العربية بالعمالة للشيطان. بالله عليكم احترموا عقولنا وادمغتنا وكفانا لغة خطابية وعنتريات فارغة. إن كانت للسيد بشور نظرة خاصة إزاء الوضع في بلده وفي المنطقة فله كل الحق في ذلك ، لماذا تحشرون القارئ التونسي في قضايا ليس له ناقة فيها ولا جمل ؟ ولماذا تعتقدون أن كل تونسي هو قومي عربي بالضرورة وأنه يقف في صف صدام وفي صف كل من يسمي نفسه "مقاوما" ؟

و كما قيل قديما فإن من شر البلية ما يضحك ، فقد سرني أن مصطلحا جديدا قد أضيف إلى القاموس العربي ألا وهو الممانعة. ظننت أن الممانعة تخص الجواري اللواتي كان الشعراء يتغزلون بهن فيتمنعن في غنج ودلال أنثوي لكنني اكتشفت أن الشروق الغراء تستعمله لوصف المثقفين الواقفين في صف ما يسمى بالمقاومة. هم يتمنعون ويرفضون الرضوخ لأعين كوندي رايس السمراء ولابتسامة تسيبي ليفني الجهنمية (على فكرة لم أر هذه المرأة تبتسم قط). لكن حذار أن ينتهي الأمر كما في أشعار العرب القدامى ، ف"الصعب يمكن بعدما جمحا" كما يقول بشار بن برد وحينئذ فيا خيبة المسعى

لا أدري ماهي فسحة الأمل التي فتحتها المقاومة عندما دُمّر لبنان تدميرا الصيف الماضي. ولا أفهم كيف يمكن التفاؤل بمستقبل هذه "الأمة" التي لا تقرأ إلا النزر القليل والتي تسكّن آلامها بعظات الشيوخ وخطب الأئمة. هل لنا أن نتفائل والبلدان العربية تنافس بعضها البعض في أسفل الترتيب العالمي في مجالات التعليم والصحة وتوفير مقومات الحياة الكريمة.

أريد أن أتوجه بالكلام مباشرة إلى كاتبة المقال : مدام كراي : مللنا هذا الأسلوب في التعاطي مع الأحداث. سئمنا هذا الخطاب الشعبوي الذي لا يحتوي على أدنى قدر من التحليل والموضوعية. أراك ، سيدتي المحترمة ، تذكرين أن مخاطبك "منحاز إلى قضايا الأمة" وكأن ذلك مدعاة للفخر. ما هي قضايا الأمة التي سننحاز إليها ؟ قضايا صدام الذي جعلتموه بطلا شهيدا على أعمدة صحيفتكم الموقرة ويداه مخضبتان بدماء العراقيين الأبرياء من شيعة وسنة ، كرد وعرب ؟ أم أننا سننحاز إلى قضايا حزب الله ومن وراءه إيران الطامعة في السيطرة على المنطقة بأسرها ؟ ثم هل أن ما يسمى بالمقاومة في العراق هي فعلا مقاومة أم أنها تخريب للبلد الذي أنهكته الحروب ؟ هل أن الإرهابي الذي يفجر نفسه ليقتل مواطنين عراقيين آخرين هو مقاوم بطل ؟ وهل أن نقد الإرهاب يعني العمالة لبوش ولجماعات الضغط الصهيونية ؟

وطني ، يا سيدتي ، هو الوطن التونسي. قضاياي هي قضايا بلدي. حضارتي هي الحضارة التونسية ، لا عربية ولا إسلامية بل تونسية ، فقط تونسية. أمتي هي الأمة التونسية التي مازالت تبحث عن مكان لها تحت الشمس رغم مرور نصف قرن على تحررها. أتعلمين مقدار الغبن الذي أحس به كتونسي في المهجر عندما أتصفح صحيفة وطنية فأجدها تنعت نصف مثقفيها بالعمالة للمشروع الصهيوأمريكي ؟ أتعلمين كم يحز في نفسي أن أرى صحافتنا الوطنية تتناول كل القضايا بالدرس والتحليل سوى قضايانا الوطنية ؟ أتعلمين كم يحزنني أن أقرأ أخبار بلدي من مواقع غير تونسية ؟ أم أن ذلك ليس في دائرة اهتماماتك مادامت القدس ستحرر يوما ما ومادام العراق صامدا ومادام الوطن العربي موحدا أكثر من أي وقت مضى

ماني الإفريقي

vous pouvez lire ce même article sur le blog de mani :

http://manichaeus.blogspot.com/2007/07/blog-post.html

مرسلة بواسطةهيئة تحرير بودورو
التسميات:

هناك تعليق واحد:

أنيس يقول...

يعطيك الصحة يا ماني ،
أما يضهرلي فيهم مش فايقين على رواحهم
يلزمهم كف باهي كيما هالموقع