الثلاثاء، يناير 01، 2008 على الساعة 08:40

مثلما أشرت في وقت سابق فإنه لا يوجد أي بلد لا توجد فيه صحافة بودورو. ينطبق ذلك أيضا على التجارب الصحافية العريقة بما في ذلك تجارب صحافية عربية ترجع للقرن التاسع عشر و تعيش درجة محترمة من الحريات الإعلامية مثلما هو الحال في مصر. ينبغي هنا التوقف لتعريف الصحافة بودورو. و الخصائص التي سأعرضها تنطبق على كثير من النماذج الصحافية التونسية و لكن تشمل في كثير من الأحيان مدرسة عالمية في الصحافة البودورية

إذا من أهم سمات الصحافة بودورو أنها صحافة الإثارة التي تعتمد على عناوين تدعي أخبارا غير دقيقة لا تعكس إعلاما نزيها بل ترغب بالأساس في التسويق أو الدعاية أو الإثنين معا. هي أيضا صحافة تعتمد أسلوب "القص و التلصيق" من خلال تجاهل المصدر و هو ما يؤدي للإلتفاف على واحدة من أهم سمات العمل الصحفي الجاد و هو البحث و العمل الميداني و العمل على إستقاء الخبر من مصدره. و للأسف كنا أشرنا من خلال مدونة بودورو إلي عدد من الأمثلة التي قام فيها صحفيون تونسيون بعمليات "قص و تلصيق" فجة بشكل يعكس عدم مبالاة بالقارئ و استنقاص لذكائه. بل يوجد إبداع خاص ببعض النماذج الصحفية التي نجحت في إنشاء "مدرسة" في هذا المضمار من خلال إبداع أساليب غير مسبوقة و أهمها طريقة تحرير الأخبار و التحاليل على أساس "قص و تلصيق" ماهو "مسموع" من خلال تصدير بعض الأركان الإخبارية بلفظة "إستماع" و هي إشارة إلي أن مصدر التحليل أو الحوار مستند إلى متابعة برنامج تلفزي في أحد الفضائيات الإخبارية (و التي تكون عادة قناة الجزيرة)... و هي طريقة تعكس كسلا إعلاميا و تهربا من القيام بالدور الثاني الأساسي في أي عمل إعلامي إلي جانب الدور الإخباري و هو دور التحليل.

سمة أخرى أساسية للصحافة بودورو هي طبعا اللغة الخشبية. و على عكس المتوقع يجب الإعتراف أن اللغة الخشبية تحتاج التمرس و يتم إكتسابها من خلال تراكم الخبرة. و بمعنى آخر هناك درجات في اللغة الخشبية... حيث لا يمكن المساواة بين الذين يتقنونها و أولائك المبتدئين قليلي الخبرة. و برغم صعوبة تلخيص معنى اللغة الخشبية في المجال الصحفي من دون تقديم أمثلة فإنه يمكن المغامرة و القول بأن اللغة الخشبية هي بالأساس لغة الفراغ من المعنى... فهي اللغة التي تنجح في تحبير صفحات من الكلام من دون القيام بتقديم أي فكرة يمكن فهمها. و من هذه الزاوية تمثل هذه اللغة خطرا فعليا على ذهن أي قارئ يرغب في الفهم لأنها تفقده الثقة في عقله

غير أن هناك سمات أخرى أكثر تمويها للصحافة بودورو. من أهمها الحرص على إنتقاء الآراء إذ يتم مثلا الحديث عن مشكلة أو قضية ما من خلال تقديم وجهة نظر طرف معين مقابل الامتناع عن تغطية أو توفير الفرصة للطرف الآخر للتعبير عن رأيه فيها. و تضع هذه الطريقة الصحفي في الموقع الذي لا يجب أن يقف فيه: حيث يصبح و بطريقة فجة جزءا من القضية التي يقوم بتغطيتها عوض أن يأخذ موقع الحياد و هو الشرط الأساسي الذي يكسب ناقل الخبر أي الصحفي صفته التي تميزه

تبقى السمات الأخرى الأكثر بروزا للصحافة بودورو و من أهمها من دون شك الترويج للدجل الفاضح من خلال نشر الإعلانات لكل من يرغب في التكسب السهل. و لا توجد أمثلة أفضل من الإعلانات الإشهارية للمتطببين و العرافين و المنجمين الذين يتوالدون كالفطر... و هنا يجب التذكير أن الإشهار مدفوع الأجر لا يبرر تملص المشرفين على الصحف من محتوى الإشهار... إذ لا يمكن قبول أية إشهار بدعوى أن القائم به يتحمل وحده مسؤولية مضمونه... و ربما من أوكد المهام الملقاة على جسم الصحفيين التونسيين هو الوقوف أمام أصحاب الصحف من أجل إقرار ميثاق إشهار في الصحافة يلتزم بعدد من المبادئ التي تمنع التكسب من وراء ظهر المتكسبين

لكن برغم كل هذه المظاهر سأحاول النظر الى نصف (أو ربع أو عشر... لا يهم) الكأس الملآن. إذ هناك بعض المؤشرات المتزايدة على تغير نحو صحافة تونسية أقل بودورية. و على سبيل المثال شهدت سنة 2007 حدثا صحفيا بارزا تمثل في المخاض العسير لميلاد أول نقابة تونسية للصحفيين. و بالرغم من الظروف المثيرة للجدل لهذه الولادة القيصرية إلا أن المحصلة إيجابية بمعزل عن أي نوايا. الدليل الأهم على ذلك أن هناك قوائم إنتخابية مختلفة ستتنافس في المؤتمر الذي سيعقد في الأسابيع القادمة (أنظر لمزيد من التفاصيل هنا). و هو ما يجعل الصحفيين أمام تحدي (على المدى القصير أو الطويل) لا يختلف عن قطاعات مهنية أخرى اكتسبت بشكل متدرج إستقلاليتها من خلال فرض تنافس انتخابي حر مثلما هو الحال في قطاع المحامين. من جهة أخرى كنت لاحظت في عدد من المناسبات مثلا في مختلف صحف دار الصباح نفسا أكثر جرأة في الأشهر الأخيرة (آخر مثال عدد اليوم 1 جانفي من يومية الصباح و التي قامت بحوارات مع أطراف سياسية متباينة الى درجة كبيرة مع المواقف الرسمية خاصة هنا و هنا و هنا). كما أن هناك نزعة أقوى لتغطية مواقف الأطراف المختلفة خاصة عند تغطية الأوضاع النقابية في عدد من الصحف (الصباح، لوطون، الشروق، أخبار الجمهورية... و حتى الصريح) من خلال الحرص على التعبير عن وجهة نظر الأطراف النقابية في نفس الوقت الذي يتم فيه تغطية موقف الجهات الرسمية و هو ما برز في الأزمة الأخيرة بين نقابة التعليم الثانوي و وزارة الإشراف

ربما هي أجواء الاحتفال بسنة جديدة التي تدفعني للتفاؤل و تمني سنة صحافية أفضل... غير أننا على ثقة في مدونة بودورو أننا سنواصل العثور على نفس السمات المذكورة أعلاه... و كل عام و صحافة البودورو بخير

مرسلة بواسطةهيئة تحرير بودورو
التسميات:

هناك 8 تعليقات:

DJ WAEL يقول...

إن شاء الله عام طيب على المستويات الكل و خاصة الصحافة

و ما ذا بينا ترجعولنا بأكثر نشاط خاطر الفترة إلي فاتت ركحت شويا المدونة متاعكم

حمزة عمر يقول...

كنت أتمنى أن أكون على هذا القدر من التفاؤل حتى ان اقتصر على عشر الكأس الملآن..صحيح أنّ صحف دار الصباح على قدر معين من المصداقية و الجرأة و لكنّ هذه الجرأة تبقى محدودة للغاية و بعيدة عن المطلوب اضافة إلى أنّ الصباح تتمتع بنوع من "الحماية"(سمعت أنها انخرطت في مشروع المبادرة الأميركية للشرق الأوسط).أمّا باقي الصحف فأراها محافظة بامتياز على بودوريتها و حتى ان قامت بتغطية أخبار النقابات و المعارضة فذلك يكون مناسبتيا و بطريقة سطحية للغاية

Bechir يقول...

أهلا طارق, وعيدك مبروك وعامك مبروك

أنا زادة متفائل كيفك خصوصا بعد ما شفت عدد "الصّباح" متاع اليوم.

كي العادة, تقتوقة باهية في البداية, اما بقلم كمال بن يونس المرة هذي:

http://www.assabah.com.tn/pop_article.php?ID_art=6269

الأهم, أنّو العدد هذا يحتوي على حوارات مع العديد من الوجوه السّياسيّة اللي موش لكلّها "محسوبة على النظام" كيما
يقولوا ,خصوصا ميّة الجربي:ـ

http://www.assabah.com.tn/pop_article.php?ID_art=6278
http://www.assabah.com.tn/pop_article.php?ID_art=6279
...

الحاصيلو, 11 حوارا مع 11 شخصيّة سياسيّة تونسية و العديد من الشخصيات الأجنبية... عدد دسم يستحق القراءة حسب رأيي.

كان بودّي أنّو أسماء الشخصيات المحاوَرة تكون في الصفحة الأولى, أما الله غالب, ما تجيش كاملة

ـ

Tarek طارق يقول...

المازوشي... عامك مبروك... عندك الحق رخينا شوية المدة لخرة... ظروف مختلفة خلات المجموعة الكل لاهية... ربما زادة حبينا ناخذو فترة نقاهة... على خاطر يتعب الواحد كي يكثر من البودورو
:)

أبو معاذ.. الصباح نتصورها متنوعة العلاقات و مش ممكن حصر علاقاتها في الاتجاه إلي ذكرتو... هذاية مبني على معطيات عندي فيها الثقة حول فريق التحرير متاعها... فمة حاجة أخرى فمة خطوط تقعد حمرا بغض النظر على العلاقات إلي عندك مهما كانت قوية... و فمة أمثلة كثيرة تأكد الكلام هذاية... بالنسبة للجرايد لخرى فإنو المناسباتية إلي أشرتلها هي نفسها حاجة جديدة... و أنا يظهرلي من المهم الانتباه لكل الجزئيات بش الواحد ياخذ موقف موضوعي قدر الإمكان
عامك مبروك

أهلا بشير.. وينك يا راجل... الروابط لعدد اليوم محطوطين في التدوينة... إلا "مقال" بن يونس.. إلي هو يندرج في نفس الاتجاه إلي ذكرتو...
أية عامك مبروك
بالمناسبة كان تنجم إتصل بي الإيمايل إلي في مدونتي

DaliPotter يقول...

إنشاء اللّه من فمّك إلربّي

عامكم مبارك يا جماعة

:D

غير معرف يقول...

دردشـــــــــــــــــــــة
بمناسبة
2008 قبل 2009
باش إنعاود ندخل الجامعة مرة ثالثة باش المستوى يتحسن شوية.
و الدّردشة أتولي تعجب العروسة و العرب الكل زاده.

*
إنشاء الله نعمل زوز دروس في اللغة الخشبية
*
شوف يا مدير
قاسم... عنيف ...عنيد ...شديد
و إلتالـــــي لا لا لا !
*

يا سي المدير، ثم كلام لازمو يتقال و لازمو يتكتب و لا زمو يتحكى في القهاوي و في الأعراس و في كل بلاسطة. الموضوع الي حبيت نحكي عليه : هو القابلية متع التونسي للقمع ! الشخصية هذه إتنقصلها ترضى ! تكذب عليها إتشيخ، تضربها إتزيد إتذل، إتهجّرها ترجع راكعة. الشخصية هذه يا سي كورتي تتقبّل كل شيئ لأنها فقد سبب الوجود متاعها على الأرض. ما عاش عندها أنفة و عزة. المفاهيم الصحيحة ما عاش تعني حتى شيئ بالنسبة للتونسي. التونسي ولات عندو حاجة معروفة : الرّحمة لا . التونسي ولى نقمة موش على المجتمع متاعو فقط بل على روحو أيضا. شخصية خفيفة، مخنوقة، تحتضر، معجولة، مذبذبة، ولات تشطح مع الشطاحة، ترقص، تضحك و الضحك عليها. و خاصة الشخصية المثقفة الي واقفة اليوم عين جهار مع الدكتاتورية و ما أكثرهم، الناس هاذوما موش حب في الدكتاتورية، إنما تملّق و شماتة في الديمقراطية بكل أنواعها...ناس ما عندها شيئ لا علم، لا رجولية، لذا باش إتولي ظاهرة للعيون لازمها تاخو موقف على الحبلين ...لا هو غادي و لا هوني، و في الواقع ما عندوش بلاسطة في العالم جملة و تفصيلا.

تضربت الشخصية هذه في الصّميم، الحاكم التونسي عبث بكل شيئ، بالثقافة، بالعلم، بالتعليم، بالمدرسة، عبث بكل ما هو حكمة و كل ما هو إصرار و عزيمة و بحث على الذات. إتخلقت إذا شخصية جديدة غريبة على الأنسانية جملة و تفصيلا، الحياة و العزّة و الكرامة ما عاد إتمثلها حتى شيئ بل أصبحت نافرة كل شيئ ...شخصية إتمزقت جملة و تفصيلا. الحاكم التونسي شلّك كل شيئ ، شلّك القصة، شلّك السينما، شلّك المسرح، شلّك الصحافة، شلّك العلم ، شلّك المعرفة.

لهذه الأسباب التونسي ما عاش عندو قوّة و لا إرادة باش يصنع روحو و يخلق من العدم شيئ. خمسين سنة ديكتاتورية إنتجت شخصية فضفاضة ، ما هيش واقفة على سقيها، شخصية دربوكة الي إيجي إنجم يضرب و يتعدى ...شخصية طبلة يظرب فيها الرّيح.

الشخصية باش إتفيق هذه ، لازمها رجة أرضية، رجة صحيحة تقلب المفاهيم و إترجع الميزان لبلاسطو ...لازمها فكر صحيح و رجال ما زال ما هيش حابة تربط الخيول. لازمها مناشير و أوراق تتوزع على الديار في الليل ...لازم الشعب يعرف أشكون حاط الكيلو اليوم و قادر باش إدافع عليه...لازمها عصافر إطير فوق السطوحات ...لازمها يا جماعة نساء تتكلّم في كل بلاسطة في الجامعات في الليسيات في القهاوي في الحمام و في الأعراس. الصور متع الكلب و البهيم لازمو يتكسر و لو بالحفران تحتو ميات الكيلومترات.

إنشوف الي النخبة مازال تستنى ...ما نيش عارف فاش تسنى !!!! ثم عملية إنتضار مفتعلة من طرف نخبة فاشلة ما عندهاش ما إتقول و ما تعمل...تنتضر في إشكون باش يتحرّك الأول...باش تعطيه بمقص ...الظرب يا سي كورتي لازمو حتى في ها النخبة الساقطة الي تلعب هلى الحبلين ...و ما وجودها على الساحة السياسية إلا لدّزان العجلة و التنكبين و الفساد.


قاسم
.

DJ WAEL يقول...

ملا قاسم متاع سي وذني المدونة إلي يعبدها ما يسيبها

entrümpelung wien يقول...

الموضوع ممتاز جدا
entrümpelung
entrümpelung
entrümpelung wien